شاعر الاطلال
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
شاعر الاطلال
في ذكري الشاعر إبراهيم ناجي
بقلم:د. نعمات أحمد فؤاد:
شاعر الأطلال رائعته ورائعة أم كلثوم..
حقول خضر.. ومروج ناضرة, تنبسط علي مدي الطرف غناء متماوجة وعلي جانبيها قامت أشجار كأنها موكلة بحراسة النعمة التي أغدقها الله علي مصر بغير حساب.
إنها جنته في أرضه, وفي وسط تلك الجنة بنوارها وأشجارها, وغدرانها وطيورها الغريدة, قام بيت, عليه من النعمة جمال واف, وظل ضاف.. وتحيط به حديقة نسقها أهل البيت علي هواهم لتزيد المكان كله إشراقا, وخضرته نضرة, ونعيمه راحة, وترفه فنا, وعطرا وسحرا.
وكانت في الحديقة ساقية تئن لأنها تروي هذا الجمال كله وتنميه وبها حاجة إلي إرواء.
مسكينة تلك الساقية تمتلئ بالماء لتسكبه ثم لا يبقي في جوفها الظمآن شيء.. ما أقرب حالها وأشبه حظها بالعيس التي يقتلها الظمأ والماء علي ظهرها محمول كما يقول الشاعر.
إن الأشياء كالناس فيها السعيد وفيها الشقي.. فيها الحران وفيها من يزيد علي حاجته الري.
في ذلك البيت بجوه الفاغم, وأنسه الناغم, ولد إبراهيم ناجي فزاد أهل شبرا واحدا, وزاد أهل مصر زيادة لا تحصي, لأن الوليد شاعر, وما بالقليل في الأمة أن يولد فيها شاعر موهوب.. لقد انتصر الألمان علي الفرنسيين في الحرب السبعينية فهان, في عين أحد الفرنسيين, نصرهم فقال:
وما قيمة هذا النصر ماداموا ليس عندهم شاعر كفيكتور هوجو يغني نصرهم ويخلده.
قرأ ناجي مبكرا بفضل والده أوليفر تويست, كما سمع قصص شرلوك هولمز, وقصص رايدر هاجارد, وقرأ معه والده ديكنز.
ومن الطريف أن قصة ديكنز ديفيد كوبرفيلد استغرقته.
يقول ناجي:
إن قصة ديفيد كوبرفيلد تذكرني بعودة الروح لتوفيق الحكيم, لا شيء غير الصدق والواقع.. قصة غرام قد تنتهي إلي لاشيء لكنها في الحياة كل شيء.
قصة غرام ديكنز بالفتاة دورا التي كان لا يقول إنها حبيبته, بل كان يسميها وجوده النفيس.. أقول أبدع وصف في لغة الهوي الرفيع.
إذن لم تكن حبيبته فحسب, بل كانت وجوده كونه الملهم وحبه الصافي.
شعور ناجي هذا وهو في العاشرة من عمره عندما قرأ القصة لأول مرة, ينم عن ذكاء حسه, وصفاء نفسه المطبوعة علي الحب, المهيأة له, لقد غاص الصغير في أعماق الفنان الكبير ووعي قصده وما بالقليل هذا, وهيهات أن يتذوق العمل الفني شخص غير مزود ولو بقبس مما وهبه الفنان من موهبة الفن بما تمنحه من حس ونفاذ.
وهكذا كان اليافع ابن الثانية عشرة يدرك مرامي القول الفني ويحس جماله.
وتطلع ناجي إلي رؤية الشاعر خليل مطران فإذا به يراه في منزل صديق من أصدقاء والده.
لقد لمعت في ذهن ناجي فكرة.. وإذا به ينطلق في إنشاد شعر مطران فلا ينتهي من قصيدة إلا ليبدأ أخري, والحاضرون مأخوذون بجمال الشعر أو بروعة المفاجأة, لست أدري وإذا بمطران يبكي من فرط التأثر وأخذ يقبل الشاعر الصغير وهو يقول في راحة المطمئن, ورضا الآمن بعد خوف: الآن أموت مسرورا.
وممن قرأهم ناجي وتأثر بهم الشاعر الإنجليزي الكبير شكسبير, لقد كان يحفظ رواياته, بل كان يجيد تمثيلها.
ومن طرائف ناجي أن دعي مرة للمحاضرة عن شكسبير في المنيا, وحل الميعاد وهو ذاهل عنه, ولكن عليه أن يسافر إلي عروس الصعيد المنيا, وركب القطار وأخذ يحاول الكتابة فلم يوفق إلا للنوم الذي غلبه ودفعه إلي تسطير حروف لم يستطع هو نفسه حل رموزها.
وتقدم رئيس المعهد طالبا نسخة من المحاضرة, وهنا جلله الخجل وقال في صوت خفيض: عندي بضعة أسطر, وبهت الرجل وامتقع وجهه ولكنه ضبط نفسه ولم ينبس بكلمة واحدة.
واحتشد الجمهور الذي تدافع إلي المكان في سباق مشتاق, لقد نجحت الدعاية الكبيرة التي سبقت ركب ناجي إلي المنيا في جذب الجموع الغفيرة.
وامتلأت الصفوف وأتلعت الأعناق, واشرأبت الرءوس إلي رئيس النادي وهو يقدم الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي, وعرت الشاعر دهشة حار معها ماذا يقول وكيف يتصرف!! وهنا زعم ناجي للحاضرين أنه تعمد ألا يكتب عن شكسبير لأنه ليس بحاجة إلي الكتابة عنه من ورقة.
لباقة بلاشك أليس كذلك؟
ومن الغريب أن الدكتور ناجي صدق زعمه ونسي نفسه وأخذ يتحدث ويفيض وكأنه يغترف من النيل.. وسحر بما صار إليه, فلا هو يتوقف ولا الكلام يغيض.
ويكاد السامعون يحبسون أنفاسهم حتي لا تفوتهم كلمة, دعهم وانظر إلي ذلك الذي يحملق وينظر إلي ناجي في ذهول عجيب.. إنه رئيس النادي الذي قدم المحاضر.
واسترسل ناجي حتي أوفي فإذا بالصفيق يدوي في المكان كله, وإذا برئيس النادي يثب إلي المسرح ليضم الشاعر ويقبله ويطري المصري الذي يعرف الشاعر الإنجليزي هذه المعرفة كلها.
أما قصة التلميذ للكاتب الفرنسي بورجيه فلها قصة طريفة يرويها ناجي بما في طريقته من إطراف.
ملخص الموضوع أني كنت أعرف الإنجليزية فقط لأن القسم العلمي في التعليم الثانوي لا يعلم الفرنسية, لكن ما حيلتي وأنا مضطر للتفاهم بالفرنسية مع أعز مخلوقة في الوجود! وهي لا تعرف غير الفرنسية, وهي لا تحب غير بورجيه وتعتقد أن قصة التلميذ قصة خالدة وتتمني لو قرأناها معا بالفرنسية!
أمنية عزيزة ولكن ما السبيل إلي ذلك؟ لابد أن أتعلم بسرعة وأقرأها معها بسرعة وإلا فات الوقت!
لست أعرف في تاريخ الضرورات أغرب من هذه الحكاية, قلت لنفسي: أتعلم كما يتعلم الطفل, أحفظ الكلمات ثم أتعلم ربطها, ثم أتكلم كلمات أولا ثم جملا, وهذا هو الذي حدث, ففي الشهر الأول أخذت أحفظ كلمات فرنسية وأتعلم نطقها من قاموس خاص بالنطق ثلاثين كلمة كل يوم.
بعد شهر كان محصولي ألف كلمة, أحفظها حفظا تاما, وفي الشهر الثاني أخذت أقرأ أجرومية اللغة, وأربط الكلمات التي أعرفها بعضها ببعض, وفي الشهر الثالث أخذت أحاول تطبيق هذا علي قصة التلميذ في المحاولة الأولي لقراءتها ولم أفهم شيئا, وفي القراءة الثانية فهمت قليلا, وفي الثالثة فهمت أكثر, وفي الرابعة ازداد فهمي لها, وفي المرة الثامنة فهمتها تماما.
بقلم:د. نعمات أحمد فؤاد:
شاعر الأطلال رائعته ورائعة أم كلثوم..
حقول خضر.. ومروج ناضرة, تنبسط علي مدي الطرف غناء متماوجة وعلي جانبيها قامت أشجار كأنها موكلة بحراسة النعمة التي أغدقها الله علي مصر بغير حساب.
إنها جنته في أرضه, وفي وسط تلك الجنة بنوارها وأشجارها, وغدرانها وطيورها الغريدة, قام بيت, عليه من النعمة جمال واف, وظل ضاف.. وتحيط به حديقة نسقها أهل البيت علي هواهم لتزيد المكان كله إشراقا, وخضرته نضرة, ونعيمه راحة, وترفه فنا, وعطرا وسحرا.
وكانت في الحديقة ساقية تئن لأنها تروي هذا الجمال كله وتنميه وبها حاجة إلي إرواء.
مسكينة تلك الساقية تمتلئ بالماء لتسكبه ثم لا يبقي في جوفها الظمآن شيء.. ما أقرب حالها وأشبه حظها بالعيس التي يقتلها الظمأ والماء علي ظهرها محمول كما يقول الشاعر.
إن الأشياء كالناس فيها السعيد وفيها الشقي.. فيها الحران وفيها من يزيد علي حاجته الري.
في ذلك البيت بجوه الفاغم, وأنسه الناغم, ولد إبراهيم ناجي فزاد أهل شبرا واحدا, وزاد أهل مصر زيادة لا تحصي, لأن الوليد شاعر, وما بالقليل في الأمة أن يولد فيها شاعر موهوب.. لقد انتصر الألمان علي الفرنسيين في الحرب السبعينية فهان, في عين أحد الفرنسيين, نصرهم فقال:
وما قيمة هذا النصر ماداموا ليس عندهم شاعر كفيكتور هوجو يغني نصرهم ويخلده.
قرأ ناجي مبكرا بفضل والده أوليفر تويست, كما سمع قصص شرلوك هولمز, وقصص رايدر هاجارد, وقرأ معه والده ديكنز.
ومن الطريف أن قصة ديكنز ديفيد كوبرفيلد استغرقته.
يقول ناجي:
إن قصة ديفيد كوبرفيلد تذكرني بعودة الروح لتوفيق الحكيم, لا شيء غير الصدق والواقع.. قصة غرام قد تنتهي إلي لاشيء لكنها في الحياة كل شيء.
قصة غرام ديكنز بالفتاة دورا التي كان لا يقول إنها حبيبته, بل كان يسميها وجوده النفيس.. أقول أبدع وصف في لغة الهوي الرفيع.
إذن لم تكن حبيبته فحسب, بل كانت وجوده كونه الملهم وحبه الصافي.
شعور ناجي هذا وهو في العاشرة من عمره عندما قرأ القصة لأول مرة, ينم عن ذكاء حسه, وصفاء نفسه المطبوعة علي الحب, المهيأة له, لقد غاص الصغير في أعماق الفنان الكبير ووعي قصده وما بالقليل هذا, وهيهات أن يتذوق العمل الفني شخص غير مزود ولو بقبس مما وهبه الفنان من موهبة الفن بما تمنحه من حس ونفاذ.
وهكذا كان اليافع ابن الثانية عشرة يدرك مرامي القول الفني ويحس جماله.
وتطلع ناجي إلي رؤية الشاعر خليل مطران فإذا به يراه في منزل صديق من أصدقاء والده.
لقد لمعت في ذهن ناجي فكرة.. وإذا به ينطلق في إنشاد شعر مطران فلا ينتهي من قصيدة إلا ليبدأ أخري, والحاضرون مأخوذون بجمال الشعر أو بروعة المفاجأة, لست أدري وإذا بمطران يبكي من فرط التأثر وأخذ يقبل الشاعر الصغير وهو يقول في راحة المطمئن, ورضا الآمن بعد خوف: الآن أموت مسرورا.
وممن قرأهم ناجي وتأثر بهم الشاعر الإنجليزي الكبير شكسبير, لقد كان يحفظ رواياته, بل كان يجيد تمثيلها.
ومن طرائف ناجي أن دعي مرة للمحاضرة عن شكسبير في المنيا, وحل الميعاد وهو ذاهل عنه, ولكن عليه أن يسافر إلي عروس الصعيد المنيا, وركب القطار وأخذ يحاول الكتابة فلم يوفق إلا للنوم الذي غلبه ودفعه إلي تسطير حروف لم يستطع هو نفسه حل رموزها.
وتقدم رئيس المعهد طالبا نسخة من المحاضرة, وهنا جلله الخجل وقال في صوت خفيض: عندي بضعة أسطر, وبهت الرجل وامتقع وجهه ولكنه ضبط نفسه ولم ينبس بكلمة واحدة.
واحتشد الجمهور الذي تدافع إلي المكان في سباق مشتاق, لقد نجحت الدعاية الكبيرة التي سبقت ركب ناجي إلي المنيا في جذب الجموع الغفيرة.
وامتلأت الصفوف وأتلعت الأعناق, واشرأبت الرءوس إلي رئيس النادي وهو يقدم الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي, وعرت الشاعر دهشة حار معها ماذا يقول وكيف يتصرف!! وهنا زعم ناجي للحاضرين أنه تعمد ألا يكتب عن شكسبير لأنه ليس بحاجة إلي الكتابة عنه من ورقة.
لباقة بلاشك أليس كذلك؟
ومن الغريب أن الدكتور ناجي صدق زعمه ونسي نفسه وأخذ يتحدث ويفيض وكأنه يغترف من النيل.. وسحر بما صار إليه, فلا هو يتوقف ولا الكلام يغيض.
ويكاد السامعون يحبسون أنفاسهم حتي لا تفوتهم كلمة, دعهم وانظر إلي ذلك الذي يحملق وينظر إلي ناجي في ذهول عجيب.. إنه رئيس النادي الذي قدم المحاضر.
واسترسل ناجي حتي أوفي فإذا بالصفيق يدوي في المكان كله, وإذا برئيس النادي يثب إلي المسرح ليضم الشاعر ويقبله ويطري المصري الذي يعرف الشاعر الإنجليزي هذه المعرفة كلها.
أما قصة التلميذ للكاتب الفرنسي بورجيه فلها قصة طريفة يرويها ناجي بما في طريقته من إطراف.
ملخص الموضوع أني كنت أعرف الإنجليزية فقط لأن القسم العلمي في التعليم الثانوي لا يعلم الفرنسية, لكن ما حيلتي وأنا مضطر للتفاهم بالفرنسية مع أعز مخلوقة في الوجود! وهي لا تعرف غير الفرنسية, وهي لا تحب غير بورجيه وتعتقد أن قصة التلميذ قصة خالدة وتتمني لو قرأناها معا بالفرنسية!
أمنية عزيزة ولكن ما السبيل إلي ذلك؟ لابد أن أتعلم بسرعة وأقرأها معها بسرعة وإلا فات الوقت!
لست أعرف في تاريخ الضرورات أغرب من هذه الحكاية, قلت لنفسي: أتعلم كما يتعلم الطفل, أحفظ الكلمات ثم أتعلم ربطها, ثم أتكلم كلمات أولا ثم جملا, وهذا هو الذي حدث, ففي الشهر الأول أخذت أحفظ كلمات فرنسية وأتعلم نطقها من قاموس خاص بالنطق ثلاثين كلمة كل يوم.
بعد شهر كان محصولي ألف كلمة, أحفظها حفظا تاما, وفي الشهر الثاني أخذت أقرأ أجرومية اللغة, وأربط الكلمات التي أعرفها بعضها ببعض, وفي الشهر الثالث أخذت أحاول تطبيق هذا علي قصة التلميذ في المحاولة الأولي لقراءتها ولم أفهم شيئا, وفي القراءة الثانية فهمت قليلا, وفي الثالثة فهمت أكثر, وفي الرابعة ازداد فهمي لها, وفي المرة الثامنة فهمتها تماما.
رد: شاعر الاطلال
مشكورررررررررررررررر
دلوعه المنتدى- أعضاء
-
عدد الرسائل : 120
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 09/11/2007
رد: شاعر الاطلال
مشكور على اجمل ردرو عاش ربى يا جدعان
الوسيم- صاحب بيت
-
عدد الرسائل : 385
العمر : 33
العمل/الترفيه : النت
المزاج : النت
تاريخ التسجيل : 20/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى